[B]
لماذا ينكر علينا الحزبيّون ممارسة النّقد !!!؟
إنكار القرآن الكريم وتصحيحه أخطاء الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام:
[/B
إنّ من أبرز سمات المنهج الإسلامي الحفاظ على هذا الدّين، ومن ثمّ فهو يصف المخطئين بالخطأ، إذا أخطاؤا، و بالانحراف إذا انحرفوا، و بالضّلال إذا ضلّوا، وبالإبتداع إذا آبتدعوا، مهما كان قدرهم، ومهما علت منازلهم، ومهما أضاء نجمهم حتّى لا ينحرف المنهج بهم ولا يجاري أهواءهم، لثبات منهج الله تعالى وقيمه وموازينه، والبشر يبعدون، أو يقربون من هذه القيم والموازين ومن المنهج ، ويخطئون، ويصيبون في قواعدهم، وتصوراتهم إما اجتهاداً، أو عناداً، أو كبراً، أو ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، ولكن ليس شيئاً من ذلك محسوباً على الإسلام، ومنهجه، إنّما عليهم وحدهم.



لذا كان لزاماً على كلّ من آنتحل نحلة ليس عليها أمر المؤمنين من نقدهم، وتخطيتهم ليبقى منهج الإسلام ثابتاً لا تشوبه شائبة، وخير شاهد على ذلك أنّ القرآن ذكر للأمّة بعضاً ممّا وقع فيه الأنبياء من خلاف الأولى، وسطّر لنا عتابهم كذلك بل قد يشتدّ عليهم في مناسبات عديدة ، وذكره لنا بعد توبتهم منه، وإقلاعهم عنه ومن ذلك:

1 ـ آدم عليه السّلام أوّل الأنبياء وأبو البشر خلقه الله بيديه، لمّا عصى الله تعالى بأكله الشّجرة وصفه بالعصيان، والغواية وهو أبو الأنبياء فقال تعالى عنه : " وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى " و أيضا في آدم من خلال دعوة أبنائه أن لا يخطئوا خطأه ولا يسمعوا إلى الشّيطان فقال :{ يا بني آدم لا يفتننّكم الشّيطان كما أخرج أبويكم من الجنّة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما } سورة الأعراف 27 .وقال تعالى : { فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّة وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ 22 قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ 23 قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين 24 } الأعراف.

فهل ذكر القرآن الكريم ذلك من أجل النّيل من آدم عليه السّلام وفضحه وزوجه وغير ذلك ممّا يبرّر به المنحرفون عن المنهج القرآني إذا أنكرت عليهم إنحرافاتهم الفكريّة وآنزلاقاتهم الحركيّة. وإذا كان القرآن الكريم ذكر ذلك في آدم عليه السّلام، فكيف بمن هو دونه صلوات الله وسلامه عليه بمراحل كثيرة ؟!!! ما ذكر القرآن ذلك وكرّره إلاّ تحذيراً من خطر الانحراف عن شرع الله تعالى ولو كان نبيّا.

2 ـ ذكر القرآن لحدث نوح عليه السّلام مع آبنه وحذّره أن يكون من الجاهلين فقال سبحانه: { قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الجاهلين } 46 هود. ممّا جعل نوحا عليه السّلام يردّ قائلا : { قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَك مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِين } 47 هود.

3 ـ وهذا يونس " ذا النون " عليه السّلام إذ ذهب مغاضباً ماذا قال الله عنه وهو نبيّه { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلآّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } وحذّر الله تعالى في سورة القلم نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يفعل فعل ذي النّون عليه السّلام فقال تعالى : { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } و قال { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مليم * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِين * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } كلّ هذا في حقّ يونس حيث وصفه بالّنبذ، والسّقم والدّحض، وكلّ هذا لأنّه ذهب مغاضباً فكيف بمن يحرّف الشّريعة في الأصول والفروع كما هو معلوم.... فهل ذكر القرآن ذلك ليشين به الله تعالى ذا النّون عليه السّلام أم ليبيّن لنا الحقّ الذي ينبغي اتّباعه.

4 ـ أمّا محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم فهو صاحب القدح المعلّى في ذلك، وكيف لا، وقد خاطبه الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه يأمره بالاستغفار وبالتّقوى ؟! يقول الله عز وجل : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } محمد:19 ، ويقول: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ.وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا.فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } النصر:1-3، ويقول: { إِنَّا أنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا. وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا.وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا } النساء:105-107 ، ويقول: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } الأحـزاب : 1، ويقول : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ } [التحريم:1]، ويقول: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ } الأنفال: 67.

وهكذا عاتب الله نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأمره بالاستغفار، وبالتقوى، ونهاه عن طاعة الكافرين والمنافقين، ولهذا كان من شأنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر عجيب، في تواضعه، وقبوله للرّأي الآخر، وإعراضه عن الجاهلين، ورجوعه إلى ما يرى أنّه صواب إذا قاله أحد.

ـ وعاتبه الله عزّ وجلّ في عبس مع إبن أمّ مكتوم.
ـ وفي الأحزاب في زيد { وتخشى النّاس والله أحقّ أن تخشاه } وفي الأذن للمنافقين { عفا الله عنك لم أذنت لهم }. وآشتدّ العتاب والتّأنيب في سورة الإسراء بالخصوص { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا 73 وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا 74 إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } 75 الأسراء.
ـ وكان أشدّ الإنكار عليه في أسرى بدر فقال تعالى :{ ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدّنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم 67 لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم " 68} الأنفال
ـ وكذلك في قوله تعالى{ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ } 145 سورة البقرة.

قال سيّد قطب رحمه الله تعالى في ظلاله في هذه الآية : "....ونقف لحظة أمام هذا الجدّ الصّارم، في هذا الخطاب الإلهيّ من الله سبحانه إلى نبيّه الكريم الذي حدّثه منذ لحظة ذلك الحديث الرّفيق الودود.. إنّ الأمر هنا يتعلّق بالإستقامة على هدي الله وتوجيهه ؛ ويتعلّق بقاعدة التّميّز والتّجرّد إلاّ من طاعة الله ونهجه. ومن ثمّ يجيء الخطاب فيه بهذا الحزم والجزم، وبهذه المواجهة والتّحذير.. إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ. إنّ الطّريق واضح، والصّراط مستقيم.. فإمّا العلم الذي جاء من عند الله. وإمّا الهوى في كلّ ما عداه. وليس للمسلم أن يتلقى إلاّ من الله. وليس له أن يدع العلم المستيقن إلى الهوى المتقلّب. وما ليس من عند الله فهو الهوى بلا تردّد ".

ـ وما جاء في سورة هود وقد شيّبت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم...؟
ـ وكذلك ما جاء في قوله تعالى: { يا أيّها النّبيّ لم تحرّم ما أحلّ الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم } التّحريم 1. وهنا أريد أن أردّ على شبهة قد تعلق في ذهن أحد ما وهو يستعرض هذه الآية، وهي أنّ النّبيّ محمّدا صلّى الله عليه وآله وسلم حرّم ما أحل الله. فأقول : ليس ذلك وإنّما تشير هذه الآية وآيات بعدها إلى أمر حدث في بيت النبي صلى الله عليه وسلم عاتبته نساؤه وتظاهرن عليه بدوافع الغيرة المعروفة عن النساء عامة إذ كان صلى الله عليه وسلم قد دخل عند إحداهن وأكل عندها طعامًا لا يوجد في بيوتهن، فأسر إلى إحداهن بالأمر فأخبرت به أخريات فعاتبنه فحرّم صلى الله عليه وسلم تناول هذا الطعام على نفسه ابتغاء مرضاتهن. والواقعة صحيحة لكن اتهام الرسول بأنه يحرّم ما أحل الله هو تصيّد للعبارة وحمل لها على ما لم ترد له.. فمطلع الآية { لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ } هو فقط من باب " المشاكلة " لما قاله النبي لنسائه ترضية لهن ؛ والنداء القرآني ليس اتهامًا له صلى الله عليه وسلم بتحريم ما أحل الله ؛ ولكنه من باب العتاب له من ربه سبحانه الذي يعلم تبارك وتعالى أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم يستحيل عليه أن يحرّم شيئًا أو أمرًا أو عملاً أحلّه الله ؛ ولكنه يشدد على نفسه لصالح مرضاة زوجاته من خلقه العالي الكريم. ولقد شهد الله للرسول بتمام تبليغ الرسالة فقال: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ }. وعليه فالقول بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم يحرّم ما أحل الله من المستحيلات على مقام نبوته التي زكاها الله تبارك وتعالى وقد دفع عنه مثل ذلك بقوله: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى }. فمقولة بعضهم أنه يحرّم هو تحميل اللفظ على غير ما جاء فيه، وما هو إلا وعد أو عهد منه صلى الله عليه وآله وسلّم لبعض نسائه فهو بمثابة يمين له كفّارته ولا صلة له بتحريم ما أحلّ الله تعالى. "

فهذه آيات عظيمة وغيرها كثير منهج في التّحرّك والدّعوة تلزم المسلم بالتّمسّك بالشّريعة كلّها وعدم التّنازل عنها قيد أنملة وهي كذلك تبيّن حرص أعداء الشّريعة على انزلاق المسلم حتّى ليريدون أن يوهموهم بأنّهم أخلاّء لهم فوق الصّداقة والتّنسيق والتّحالف لأنّ أعداء الشّريعة يحرصون الحرص الشّديد أن يصرفوا أهل القرآن عنه، ليختلقوا غير ما أوحاه اللّه تعالى حتّى يصير حبيبا خالصا لهم وحتّى يرضوا عنه ويجعلوه ضمن قوائمهم وان كانت في آخرها حتّى يسهل تشطيبها وإسقاطهم عند الآستغناء عن خدماتهم. وآنظر بماذا هدّد اللّه تعالى رسوله في سورة الإسراء، فلولا نعمته تعالى عليه حيث منعه من أن يركن إليهم شيئا يسيرا وهو يطعم في دعوتهم إلى هذا الدّين. لا كما يفعل هؤلاء يتنازلون عن الشّريعة من أجل لا شيء دعك أن يكونوا دعاة إليها .

كلّ هذا في أنبياء شهد لهم ربّهم بالصّدق والكفاءة والأمانة والتّبليغ. فلماذا يعيب علينا بعض النّاس حين نردّ فيما تبيّن لنا خطؤه على المتطفّلين على الشّرع العزيز . فالرّدّ على المخالف منهج قرآنيّ أصيل !!! فبعد هذه النّصوص القرآنيّة هل يجرؤ موحّد على التّهوّك والدّفاع عن المحرّفين ؟؟

تصحيح القرآن الكريم أخطاء الصّحابة رضي الله عنهم

وكما شمل الإنكار والتّصحيح أيضا أخطاء الصّحابة الكرام، ومن ذلك :

ـ قصّة الثّلاثة الّذين خلّفوا { وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا...} 118 التّوبة.
ـ ما حدث لحاطب بن أبي بلتعة الّذي نزل فيه قوله تعالى :{ يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء } الآية.
ـ ما نزل في حقّ أبي لبابة :{ يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه وتخونوا الرسول }
ـ ما نزل في صفيّة زوج النّبيء رضي الله عنها لمّا أظهرت ما أسرّه لها رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ـ ما جاء في قصّة الإفك وما حدث فيها من أخطاء.
ـ ومنها عتاب الله للصّحابة في حادثة أحد والحكم على بعضهم بأنّهم أرادوا الدنيا على الآخرة { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }.
ـ وفي الّذين رفعوا أصواتهم عند رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النّبيّ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } الحجرات 2
ـ والذين نادوه من وراء الحجرات بصوت مرتفع ودعوه كما يدعي أحدهم صاحبه، فوصفهم بأنّهم لا يعقلون { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ } الحجرات 4.
ـ والّذين يأكلون عنده . آنظر الآية 53 من سورة الأحزاب.
ـ والّذي ظاهر زوجته،
ـ وفي الّذي جاء بخبر غير دقيق فوصفه القرآن في سورة الحجرات بالفاسق في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نادمين } فهنا سمّى من كذب في أمر القوم وأنّهم منعوا الزكاة، فاسقاً لكذبه على رأي من ذهب إلى هذا التّفسير ولم يعترض على سبب النزول، وإذا سمّي من كاد أن يريق دماء المسلمين بلا سبب فاسقاً فكيف بمن يزعزع عقائدهم ويشكّكهم في أمور دينهم ويفتنهم فيه !!.
ـ والمتخلّفين عن اللّحاق بالمهاجرين إلى المدينة النّبويّة { مالكم من ولايتهم حتّى يهاجروا } و { إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم...} الآية ..
ـ ما جاء في سورة التّوبة من لوم عظيم للأصحاب وفي سورة التّوبة ومنها قوله تعالى: { لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار الّذين آتّبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثمّ تاب عليهم إنّه بهم رؤوف رحيم 117 والذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً...} وفي سورة الأنفال : { لولا كتاب من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم } 68 الأنفال.
ـ ومنها عتاب الله لمخشي بن حمير في قوله تعالى: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ 65 لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ 66 } سورة التّوبة. فوصف هنا بالكفر أثناء الحادثة وقبل توبته، ثم تيب عليه وبقيت الآية عظة للمتّعظ.
ـ وفي قصّة زيد بن الحارثة وأمّ المؤمنين زينب بنت جحش حيث بلغ عتاب الله عزّ وجلّ لمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم في سورة الأحزاب مداه إذ يقول تعالى : { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } وكانت هذه الآية من أعتبها على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لذا قالت أمّنا عائشة رضي الله تعالى عنها : لو كتم محمّد صلّى الله عليه وسلم شيئاً ممّا أوحي إليه من كتاب الله لكتم { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } أخرجه الطبري 22/11وأصله في الصّحيح بلفظ " من حدّثك بثلاث " .

وتحدّثت السّورة عن الأعراب بصنفيهم: { وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَ يَترَبّص بِكمُ الدّوَائرَ عَلَيْهِمْ دَائرَةُ السوْءِ وَ اللّهُ سمِيعٌ عَلِيمٌ 98 وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الآخر وَ يَتّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَتٍ عِندَ اللّهِ وَ صلوات الرّسولِ أَلا إِنهَا قُرْبَةٌ لّهُمْ سيُدْخِلُهُمُ اللّهُ في رَحْمَتِهِ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ 99 } التوبة .

وغير ذلك كثير وآقرأ أخي الكريم سورة آل عمران وما فيها من لوم عظيم للأصحاب.. بل قد ينكر مهدّدا زوجات النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : { يا نساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا } الأحزاب 30.

الخشونة من منهج الأنبياء عليهم السّلام:

إذا كان المنكر لا يردّ إلاّ بالخشونة فلا بأس بذلك. بل لقد شرع الله الحكيم من الحدود والقصاص ما فيه من الشّدّة على النّفس ومن ذلك فرضه للقتال وهو كره للمسلمين ، بل أمر المسلمين أن يقاتلوا إخوانهم من أجل الصّلح فقال :" فإن بغت إحداهما فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفيء إلى أمر الله "

إنّ الأصل في الرّدّ الشّرعيّ على المخالف أن يكون كما أمر الله بالّتي هي أحسن، أمّا إذا آختار المخالف مسلك التّحريف والتّلبيس والعناد بل التّنقّص من مخالفيه ولو كانوا أنبيياء، فيجب أن يكون الرّدّ قاسيا بتقدير الضّرورة وقدرها، فهو قد جنى على نفسه إذ لا يجني جان إلاّ على نفسه، وهو الّذي جلب لنفسه الخصومة والمعاداة، ومن جرّ أذيال النّاس بباطل جرّوا ذيله بحقّ، ألم يقل الله تعالى لحبيبه { ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنّه لتذكرة للمتّقين } سورة الحاقّة 44 ـ 48.

من أجل ذلك وجدنا شدّة في الأنبياء عليهم السّلام. منهم :

ـ شدّة إبراهيم مع قومه في تكسير الأصنام...
ـ شدّة موسى مع أخيه هارون مع العلم أنّه قد ألان مع فرعون : لقد سجّل القرآن الكريم الإنكار الشّديد الّذي قام به موسى عليه السّلام مع أخيه هارون حين أخلفه قومه، لمّا حرص هارون على وحدة قومه السّياسيّة والإجتماعيّة على حساب العقيدة فأخذه بغضب شديد أمام القوم المرتدّين يجرّه دون اعتبارات زائفة يتوكّأ عليها ما يسمّون أنفسهم فقهاء السّياسة من تأجيل العقيدة، أو لا غسل لصابون العاملين للإسلام ونحن ممتحنون، وغيرها من اعتبارات المحافظين الّتي يتجاهلها القرآن الكريم والأنبياء الكرام ومن آقتدى بهديهم الصّحيح.. وهذا من الاضطراب الشّديد الّذي يقع فيه الحزبيّون حيث تتحوّل الوسائل إلى أهداف والانفتاح إلى الانغلاق والسّعة إلى الضّيق، فكلّ شيء يجب أن يقبل باسم التّنظيم والمصلحة وضغط الواقع وفقه الضّرورة وطبيعة المرحلة، مع أن حفظ الدّين والعقيدة أهمّ من حفظ الجماعة وحفظ النّفس والمال والأخوّة وغير ذلك من التّزيين الّذي يتقنه الحزبيّون. والدّليل قصّة موسى عليه السّلام حين قال لأخيه هارون : { اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } ولمّا رجع موسى عليه السّلام وجد قومه يعبدون العجل، فقال مخاطباً هارون عليهما السّلام منكرا عليه : { مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ، أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ؟ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } طه: 92-94 . قال الشّيخ محمّد الطّاهر ابن عاشور – رحمه اللّه تعالى - :" أنكر موسى على أخيه مرّتين وشدّد التّوبيخ بإنكار وتهديد وأنّ هارون أجابه ب " يا ابن أمّ " نداء لقصد التّرقيق والاستشفاع. وهو مؤذن بانّ موسى حين وبّخه أخذ بشعر لحية هارون، ويشعر بأنّه يجذبه إليه ليلطمه، وقد صرّح به في الأعراف بقوله تعالى : { وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه }... وعطف الرّأس على اللّحية لأنّ أخذه من لحيته أشدّ ألما و أنكى في الإذلال... انظر التّحرير والتّنوير 16/292

قلت: فإذا كان كبر على بعض القوم ما أدعو إليه من مشروعيّة التّشدّد الشّرعيّ في الإنكار، والّذي ينعته الحزبيّون بالتّشنّج، فهذه عبارات الشّيخ آبن عاشور- رحمه اللّه تعالى – وهو يفصّل الأمر فيما وقع بين نبيّين أخوين عليهما السّلام، ولم ينكر القرآن على موسى شدّته الشّرعيّة، فهل تقنع القوم الّذين يعرفون الحقّ بالرّجال ويستميتون في الدّفاع عن مواقف الحزب ورجاله ولو كانت مخالفة لموقفه في داخل المؤسّسة فضلا عن مخالفتها للشّريعة.
وآذكر أخي القارئ موقف موسى الآخر وقد ألقى الألواح وفيها هدى لبني إسرائيل...
(عن موقع الشهاب)